باب علامات الحب :
(( وللحب علامات يقفوها الفطن , ويهتدي إليها الذكي.
فأولها إدمان النظر, والعين باب النفس الشارع , وهي المنقبة عن سرائرها, والمعبرة لضمائرها, والمعربة عن بواطنها , فترى الناظر لا يطرف , يتنقا بتنقل المحبوب , وينزوى بانزوائه, ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس.
ومنها الإقبال بالحديث , فما يكاد يقبل على سوى محبوبه ولو تعمد ذلك, وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه , والإنصات لحديثه إذا حدّث, واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات , وتصديقه وإن كذب, وموافقته وإن ظلم, والشهادة له وأن جار, واتباعه كيف سلك , وأىّ وجه من وجوه القول تناول.
ومنها الأسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه, والتعمد للقعود بقربه والدنّو منه, والتباطئ في المشي عند القيام عنه.
ومنها روعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة , وطلوعه بغتة, ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه, أو عند سماع اسمه فجأة.
ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً به قبل ذلك, كأنه هو الموهوب له والمسعى في حظه, كل ذلك ليبدي محاسنه ويرغب في نفسه, فكم بخيا جاد, وقطوب تطلق , وجبان تشجع وغليظ الطبع تطّرب, وجاهل تأدب..
وهذه العلامات تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه فأما إذا تمكن وأخذا مأخذه فحينئذ ترى الحديث سرارا , والإعراض عن كل ما حضر إلا عن المحبوب جهاراً.
ومن علاماته الانبساط الزائد, والتضايق في المكان الواسع , والمجاذبة على الشئ يأخذه أحدهما, وكثرة الغمز الخفي , والميل بالاتكاء , والتعمد لمس اليد عند المحادثة, ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة, وشرب فضلة ما أبقى المحبوب في الأناء.
ومن علاماته حبّ الوحدة والأنس بالانفراد, ونحول الجسم دون حد يكون فيه, ولا وجع مانع من التقلب والحركة والمشي, والسهر من أعراض المحبين..